[size=16][color:9685=blue]عقلة الإصبع[/color][/size]
[size=16][color:9685=blue][img]
http://www.boswtol.com/2004_2005/affareet/images/28th/sara.jpg[/img]قديماً، وعندما كنا في فترة حداثتنا، منذ ما يقرب من ربع القرن، بهرتنا السينما الأمريكية بفيلم مدهش، من أفلام الخيال العلمي، الذي بدا لنا أيامها مغرقًا في التفاؤل والتصوّر، عن عملية مبهرة، تم خلالها تصغير فريق من المغامرين، إلى حد نافسوا معه أصغر الميكروبات؛ ليتم حقنهم في جسد إنسان، كوسيلة يائسة وأخيرة، لإنقاذ حياته، حفاظًا على سر علمي خطير، لا يعلمه سواه..
أيامها شاهدنا..
واندهشنا..
وانبهرنا..
وتفجّر في عقولنا سؤال كبير..
ترى هل يمكن أن يكون هذا حقيقيًا؟!..
أو هل يمكن حتى أن يصبح كذلك يومًا ما؟!..
ولأنني، وفريق من أصدقاء الصبا، كنا نهوى العلوم، والإغراق في الخيال، فقد رحنا نلتهم الكتب والصحف والمجلات التهامًا؛ بحثًا عن جواب السؤال…
وأيامها جاءت الإجابة بالنفي التام!!..
فمن الناحية العلمية أيامها، لم يكن من لممكن تحقيق هذا أبدًا..
ولقد أراحنا هذا، وجعلنا نهدأ ونسترخي، ونلقي الأمر كله خلف ظهورنا..
وربما توقّف بحثنا عند هذه النقطة…
ولكن العلم لم يتوقّف أبدا..
فإحدى أعظم مميزات العلم، أنه يبدأ دومًا بخيال جامح..
خيال يتجاوز حدود الواقع، وينطلق خارج أسوار العقل، وربما المنطق المعاصر أيضًا، ويرسم صورة جامحة لما يمكن أن يصبح عليه المستقبل..
ثم ينبري فريق من العلماء، للبحث عما إذا كان هذا الخيال جامحًا بالفعل، أم أنه يحوي ولو ذرة من الحقيقة، أو لمحة من نظرية علمية، قد تجعله واقعًا في مستقبل قريب…
أو حتى بعيد…
والسمة الرائعة الأخرى للعلم، هي أنه تراكمي..
والمعنى هنا هو أن العلم يطوّر بعضه البعض، ويتطوّر من بعضه لبعض أيضًا..
فالعالِم الذي يُجري أبحاثًا عن النباتات مثلاً، يمكن أن يحقّق طفرة هائلة في أبحاثه؛ لأن عالِمًا آخر قد توصّل إلى كشف مدهش، في مجال الهندسة الوراثية، أو لأن ثالثًا قد أحدث تطويرًا كبيرًا، في برمجة الكمبيوتر، أو في علم الضوء، أو حتى في علوم الفلك…
العلم إذن هو شبكة من المعارف والتقنيات، التي يخدم بعضها البعض، ويرتبط كل منها بالآخر، لتمنحنا في النهاية جديدًا، في كل يوم يمضي، أو ربما حتى في كل ساعة تمرّ..
وهذا ما حدث بالضبط، في قصة عقلة الإصبع، التي روتها لنا جداتنا في طفولتنا، وبهرتنا بها السينما والروايات، في صبانا وحداثتنا..
فمع تضافر وتراكم العلوم والمعارف، انتبه بعض علماء الذرة إلى حقيقة مدهشة، تقول إن الفراغ الذي تحتلّه أية ذرة، أو يحتلّه أي جُزيء، ينقسم في إجماله إلى قسمين: قسم تحتلّه المادة نفسها، وهو ضئيل للغاية نسبيًا، وجزء، وهو الأعظم والأضخم، الذي يمثّل الفجوات البينية الهائلة..
نسبيًا أيضًا..
[img]
http://www.boswtol.com/2004_2005/affareet/images/28th/image.4.jpg[/img]وفي واحدة من الفرضيات الرياضية العلمية، تحدّث أحد الفيزيائيين، عن أنه لو أمكننا حذف الفجوات الجزيئية، فسينكمش حجم المادة إلى درجة مدهشة…
أو مذهلة..
أو هي مفزعة، لو شئنا الدقّة…
فينص قوله: لو أننا نجحنا في هذا، فسيمكننا أن نمرّر الجمل، من ثقب إبرة….
تمامًا كما كانت تقول الأمثال القديمة، عندما تصف المستحيل…
ولقد التقط عالم آخر تلك الفرضية، وراح يدرس إمكانية فعلها…
وجاء ثالث، واخترع أجهزة الكمبيوتر…
ونجح رابع في تطوير تكنولوجيا المنمنمات…
ثم جاءت اللحظة التي يفاجئنا بها العلم دومًا..
لحظة تحوّل الحلم إلى حقيقة…
ففي أوائل عام 2003 م، أعلن أحد العلماء الأمريكيين، أنه قد توصّل بالفعل إلى تكنولوجيا التصغير، والتي أطلق عليها اسم (Mono Pole) ، أو "أحادية الاستقطاب" ، وأن تصغير الأشياء والحيوانات، وربما البشر أيضًا، لم يعد خيالاً، وإنما حقيقة علمية صحيحة، وقابلة للتنفيذ على مراحل، وحدّد أهميته آنذاك، بأنها ستساهم في إنهاء كل الأزمات لغذائية في العالم؛ إذ يكفي أن نقوم بتصغير قطعان من البقر مثلاً، بحيث تستهلك مقدارًا ضئيلاً للغاية من الغذاء، ثم نعاود تكبيرها، بعد أن تسمن وتقوَى، ويشتد عودها..
هذا لأن الرجل قد رأى كشفه بعيون عالم..
أما العسكريون فقد رأوا الصورة على نحو مختلف تمامًا..
فبالنسبة لهم، كانت تكنولوجيا التصغير هي أخطر سلاح عرفه العالم، بعد القنبلة الذرية..
تخيّل معي، مثلما تخيّلوا هم، جيشًا كاملاً من الإرهابيين، يتم تصغيره، بكل أسلحته ومعداته، ليوضع في حقيبة صغيرة، يمكن تمريرها عبر أية حدود بكل سهولة، ثم يعاد تكبيره بتكنولوجيا عكسية، في منطقة الهدف؛ ليشن حربًا مباغتة، على أهداف حيوية، غاية في الخطورة!!..
ثم ماذا لو تم تصغير بعض القنابل الذرية، ونقلها إلى عواصم بعض المدن الكبرى؛ ليعاد تكبيرها، وتفجيرها؟..
بل إنه سيكون من الممكن أيضاً أن تبني الدول والمنظمات مفاعلات نووية، في صناديق صغيرة، يسهل إخفاؤُها، ويستحيل كشفُ أمرها!!..
وتراوده هنا صورة لرئيس دولة من دول العالم الثالث، ينكر تمامًا، أمام رئيس دولة عظمى، محاولة امتلاك بلاده لوسائل إنتاج القنبلة النووية، في حين أن المفاعل الذري يعمل بكفاءة، في درج مكتبه!!..
الصورة إذن بدت مفزعة تمامًا للعسكريين، الذين تضافروا لمنع إعلان تكنولوجيا التصغير، واعتبارها من أخطر أنواع التكنولوجيا، التي يحظر تداولها على كل المستويات..
ومع هذا الإجراء، انحبست تكنولوجيا التصغير، ولكن أخبارها لم تنقطع تماماً، فنحن نعرف الآن أنها ناجحة نسبيًا، فيما يتعلّق بالأجسام المعدنية أو الجامدة، والبسيطة وليست المركّبة، ولكنها لم تنجح بعد في تصغير أية أجسام حية، لا حيوانية، أو حتى نباتية…
ولكنها مسألة وقت فحسب…
فمن مميزات العلم أيضًا، أن التوصّل إلى المبادئ الرئيسية فيه، أصعب بكثير من تطويرها وتحسينها…
ومن أهم مميزاته أيضًا، هو أنه من المستحيل احتجازه طويلاً خلف الأسوار..
فالعلم حر، طليق، يتاح حتمًا للجميع، إن عاجلاً أو آجلاً؛ لأن قواعده ومعادلاته لا يمكن أن تقتصر طويلاً على مجموعة بعينها، أو فريق دون سواه…
وهذا يعني أننا، وربما في القريب العاجل، سيمكننا أن نرى حدوتة الطفولة، وهي تتحوّل إلى حقيقة..
حقيقة اسمها "عقلة الإصبع". [/color][/size]